حكم المحكمة الأوروبية يضع البوليساريو أمام تحديات ترتيب مسارات الكفاح الصحراوي وتجديد الاستراتيجيات

Screenshot

إن قرار محكمة العدل الأوروبية لا ينبغي أن يُعتبر مجرد انتصار قانوني عابر للشعب الصحراوي، بل يجب أن يمثل نقطة تحول تاريخية فارقة في مسار نضاله الوطني. فهذا القرار كرس حقيقة ترسيخ مشروعية القضية الصحراوية كقضية تصفية استعمار لا تقبل المساومة وأعطى للبوليساريو هامش اوسع للمرافعة عن حقوق الشعب الصحراوي، رغم سعي بعض الأطراف الأوروبية، إلى التحايل على حكم المحكمة وتضليل الحقائق.

ومع ذلك، لا يجب أن تأخذنا الحماسة أو نشوة هذا المكسب إلى مستوى يجعلنا نغفل التحديات التي لا تزال قائمة؛ بحيث تواجه جبهة البوليساريو تحديًا جديدًا يتطلب ترتيب الصفوف وتطوير أساليب النضال، واعتماد نهج مدروس يعزز المكاسب ويُعلي من مستوى العمل الوطني بعيدًا عن العشوائية والارتجال، ويدعو إلى استراتيجيات مبتكرة تتجاوز الأساليب التقليدية التي وُظِّفَت في بعض القضايا والملفات.

إن الاعتراف الأممي المتجدد بطبيعة القضية الصحراوية كما تجلَّى في مقترحات المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا، رغم اعتراض جبهة البوليساريو عليها، يُؤكد أن قضية الصحراء الغربية لا تزال مسألة تصفية استعمار تنتظر الحل العادل و يمثل هذا الاعتراف ركيزة دبلوماسية مهمة أخرى تُعزز من موقف الصحراويين في المحافل الدولية، وتفتح المجال لمزيد من الضغط على الاحتلال المغربي.

لقد فشلت سلطات الاحتلال ، بعد نحو نصف قرن من المحاولات، في تكريس الأمر الواقع؛ إذ تجذَّر الوعي الوطني بين الصحراويين أكثر من أي وقت مضى، وتعمق إدراكهم بحقهم التاريخي في الحرية والاستقلال. لذا، تتطلب هذه اللحظة توظيف هذا الحس الوطني المتزايد في صياغة استراتيجية نضالية متجددة، تأخذ بعين الاعتبار التحولات الدولية والإقليمية، وتُحسن الاستفادة من الزخم الذي أحدثه حكم المحكمة. كما يتطلب الأمر تجاوز العقليات التقليدية أحيانا في التعامل مع الملفات الحساسة، وإفساح المجال لجميع المناضلين الوطنيين لتكون لهم مساهمة في انطلاقة جديدة في صنع القرار وتدبير القضايا الوطنية الهامة.

ومن هنا، تفرض التحولات الجديدة وواقع الحال على البوليساريو إعادة النظر في إدارتها لكل الملفات الاستراتيجية: الخارجية، الأرض المحتلة، الإعلام الامن و غيرها؛ علمًا أننا ندرك أن الملف العسكري يبقى على رأس الأولويات. وعلى هذا الأساس، من الضروري تعزيز الشفافية ومنع احتكار الملفات الحساسة بيد فرد بعينه بوفاته أو استشهاده ، تغيب كل حيثيات تلك الملفات المسنودة له. إن التقدم في السن هو جزء طبيعي من دورة الحياة، مما يستدعي منا تقدير التضحيات الجسيمة والجهود الاستثنائية التي بذلها جيل المؤسسين، جزاهم الله خيرًا. يجب علينا استغلال هذه التجارب الغنية، وتوفير بيئة ملائمة تتيح للطاقات الشابة الاستفادة منها قبل فوات الأوان، وضمان استلام وتسليم المشعل بسلاسة لتعزيز قوة التنظيم الوطني وضمان استمرارية الجهود الرامية لدعم الحقوق المشروعة للشعب الصحراوي وأن لا نكبل أجيالنا بسياسات قد يكون من المهم التخلص منها أو نترك لهم نهجا قد تجاوزه الزمن لتبنيه في البناء التنظيمي ؛ و التخلص من اعتماد ما أصبح يعرف في الوسط الصحراوي ب”لبننة” النظام الصحراوي، أو اختزال القيادة في أفراد محددين دون أن يُتاح للأجيال الجديدة فرصة المشاركة في صنع القرار….. هذه السياسات ليست سوى قنبلة موقوتة تهدد بتقويض النظام من الداخل، وتضيع فرصة الاستفادة من طاقات الشباب وإبداعهم في مختلف مجالات العمل الوطني.

وبالتالي، مع كل هذه التحديات والمكتسبات، يجب ألا نعطي الانطباع بأن الأزمة تكمن في قيادة البوليساريو أو في القاعدة او نترك الساحة للانطباع الخاطئ بأن ما يُعتبر جوهريًا اليوم لبعض القادة هو الكرسي، بينما الوطن ومصيره يبقيان في الظل، أو أننا نفتقر لمبادرات الابتكار والإبداع، بل العكس؛ يجب أن نثبت للعالم قدرتنا على تجاوز كافة قضايا الداخل بشجاعة ومسؤولية. لذا، النقد الذاتي ضروري لإصلاح التجربة وتطويرها، ولكنه ينبغي أن يكون دافعًا لتعزيز اللحمة الوطنية وليس لتفكيكها. إن تمكين الشباب وتفجير طاقاتهم في مختلف مجالات العمل الوطني سيكون له دور محوري في تحديث آليات النضال، وإعادة صياغة الأساليب بما يتناسب مع متطلبات المرحلة الراهنة.

عليه، إن ترتيب الصفوف وتحديث العقلية النضالية يتطلبان تجاوز الرتابة وإعادة هيكلة الجهود الوطنية لتكون أكثر فعالية وقوة. يجب أن تكون هناك رؤية موحدة وواضحة لمستقبل الكفاح الصحراوي، تستند إلى تعزيز الوحدة الوطنية، وإشراك الجميع في مسيرة التحرير، دون السماح لأي عقبات داخلية تُضعف الإرادة الجماعية. وقد أثبتت السنوات الماضية أن الشعب الصحراوي قادر على الصمود وتحدي كافة الصعاب، وأنه على أتم الاستعداد لمواصلة نضاله حتى استعادة كامل حقوقه التاريخية.

وأخيرًا، تأتي اللحظة الراهنة كفرصة سانحة لإعادة ترتيب البيت الداخلي، وتجاوز بكل شجاعة كل ما من شأنه تشويه الكفاح الصحراوي. لذا، فإن العمل على تجاوز الخلافات الذاتية وتقوية الصف الداخلي هو السبيل الأمثل لتمهيد الطريق نحو تحقيق النصر واستكمال معركة التحرير. إن تعزيز التكاتف الوطني والاستثمار في الشباب وإفساح المجال للقدرات و لجميع المناضلين لتمثيل رؤية مشتركة جديدة، سيشكل ركيزة أساسية لتحقيق الأهداف المنشودة.

بقلم : لحسن بولسان

شارك الموضوع
%d مدونون معجبون بهذه: