احتقان غير مسبوق .. المخزن إلى أين؟في قراءة لمسار الاحتجاجات المغربية وآفاقها.. محمد فاضل الهيط لـ “الشروق”الجزائرية

قراءة لمسار الاحتجاجات المغربية وآفاقها.. محمد فاضل الهيط لـ “الشروق”الجزائرية
لهذه الأسباب.. سيحسم الكيان الصهيوني خليفة محمد السادس
حاوره: عبد الحميد عثماني
يجزم المدير السابق للإذاعة الوطنية الصحراوية وعضو هيئة تحرير موقع ” الصحراء الغربية 24″، محمد فاضل الهيط، بأن جميع المؤشرات الحالية تؤكد استحالة سيطرة المخزن على الوضع المتفجر، رغم ما يظهره من تحكم في الأمور. وفي حوار مع “الشروق” قال محمد فاضل الهيط إنه لأول مرة في تاريخ المغرب المعاصر، صار المغاربة يجاهرون صراحة في الأماكن العامة بانتقادهم لشخص الملك، بل يكثرون من “النكاة” عليه.
وتوقع المتحدث أن يسرّع الحراك الجاري، في حال تأطيره، بإرغام الملكية على تنازلات كبيرة في مرحلة أولى، للخروج لاحقا من الباب الواسع بالحفاظ على امتيازاتها كملكية تسود ولا تحكم. وبخصوص التساؤل عن اسم الملك القادم، في ظل تفضيل محمد السادس لابنه مقابل تشبث “الشقيقات” وطابور آخر كبير بالأخ الأصغر رشيد، يشدد المحلل على أن موقف الكيان الصهيوني سيكون حاسما في اختيار من يحكم المغرب.
تعرف المملكة المغربية خلال الأشهر الأخيرة تنامي الانتفاضة الشعبية، كيف تفسرون الوضع؟
المغرب يعيش منذ سنوات أزمة هيكلية لا تنفع فيها الترقيعات والمعالجات السطحية ولا مساحيق تجميل وجه نظام المخزن. لعل مصطلح “الهروب الكبير” وفيضان الانتفاضة والمظاهرات الذي أطلقته وسائل الإعلام الغربية على ما يحدث في المغرب مثل عملية الفرار لحوالي ثلاثة آلاف شخص مغربي يوم الخامس عشر من الشهر الماضي، وقبل ذلك عشرة آلاف أخرى سنة 2021 إلى الأراضي الإسبانية. هذه المظاهرات والفرار هي خير تعبير عن الواقع الجهنمي الذي يكتوي به المغاربة.
لمعرفة عمق الأزمة التي أنتجت الانتفاضة والمظاهرات والهروب الكبير” من مملكة صاحب الجلالة، يكفي الوقوف على أرقام حكومة المخزن
.معدل فقر المغاربة انتقل من 1.2٪ سنة 2022 إلى 6.6٪ سنة 2023 و7.1% خلال النصف الأول من سنة 2024.
.متوسط معدل النمو في العام 2023 لم يتعد 2.5% مقابل 1.9 في العام 2022
-تدمير حوالي 200 ألف فرصة عمل صافية خلال سنتين، فقد ارتفع معدل البطالة بالمغرب ما بين الفصل الثالث من سنة 2022 ونفس الفصل خلال سنة 2023 من 11.4٪ إلى 13.5٪، وبلغ عدد العاطلين مليونا و625 ألف شخص خلال الربع الثالث من عام 2023 والمليونين خلال النصف الأول من السنة الجارية.
-حسب الكونفدرالية المغربية للمقاولات الصغرى والمتوسطة، فقد ارتفع إجمالي المقاولات المفلسة من 25 ألف مقاولة سنة 2022، إلى 33 ألف مقاولة مُفلسة في عام 2023
-مغادرة حوالي 40 ألف شركة أجنبية للمغرب.
-ارتفاع المديونية العمومية إلى نسبة 90% من الناتج المحلي الإجمالي وهذا رقم صاروخي حيث تعد نسبة 60% هي الخط الأحمر، وبهذا أصبح المغرب ثاني دولة لها أكبر مديونية بعد مصر في إفريقيا.
-في مؤشر التنمية البشرية يحتل المغرب المرتبة 120 في التصنيف العالمي لسنة 2024
من جهة أخرى، رهن المخزن بلاده للبنك الدولي وكبار المقرضين، وهذه السياسة رفعت مستوى الاحتقان الشعبي والمظاهرات، ومؤخرا فجرت لجنة حقوق الإنسان المغربية قنبلة بعد دراسة لها، كشفت أن حوالي 70% من الشباب المغربي ليس فقط مهيأ للهجرة، بل رجله على الركاب كما يقال لمغادرة المملكة عند أول فرصة.
المؤشرات تؤكد استحالة احتواء الوضع المتفجر حاليّا في المغرب، إلى أين يتجه في تقديركم هذا الغضب الشعبي الصاعد؟
صحيح، أن جميع المؤشرات تؤكد استحالة السيطرة على الوضع رغم ما يظهر بأن الأمور متحكم فيها، لقد أصبح واضحا أن كل طرق وأساليب المعالجة قاصرة عن إحداث تغيير حقيقي، لأنها ببساطة لا تستهدف ترقية المواطن المغربي وانتشاله من قاع الفقر المدقع بقدر ما هي وسيلة تهدئة وضمادة لوجع مزمن. تصور معي ملك البلاد والعباد -لأن المغاربة مع الأسف ليسوا مواطنين، بل فقط رعايا- كل سنة يجود “ببركته” في شهر رمضان على الرعايا بما يعرف بقفة رمضان ثمنها ما بين 178 إلى 200 درهم كحد أقصى على خمسة ملايين من الفقراء المغاربة المغلوبين على أمرهم الذين جمعهم أعوان السلطة من مقدمين وشيوخ وقواد وباشوات من كل مناطق المغرب.
هل ستكفي هذه القفة لهؤلاء المساكين طوال شهر رمضان، بل هل ستسد جوعهم وحرمانهم من العيش الكريم بقية السنة. ألا يستحي النظام من نشر هكذا ثقافة التسول بين أوساط الشعب المغربي البئيس. بالمناسبة وحسب الإحصائيات يوجد ما بين 200 إلى 300 ألف متسول في المغرب وهو ما يعد رقما كبيرا إذا ما قورن بالبلدان العربية، اذ يحتل المغرب المرتبة الأولى عربيا
كل هذا يجعل الوضع يخرج عن السيطرة، ومستحيل التحكم فيه، والقضية قضية وقت.
هل من الوارد تهديد التحراك الشعبي الحالي لمصير الملكية نفسها في المغرب؟
لا أعتقد أن ذلك يمكن أن يتم في الوقت الحالي، فربما يكون بداية، لكنه إذا وُجد من يؤطر هذا الحراك ويوجهه، إضافة الى عوامل أخرى، يمكن أن يسرع بإرغام الملكية على تنازلات كبيرة في مرحلة أولى مما يساعدها بعد ذلك على الخروج من الباب الواسع بالحفاظ على امتيازاتها كملكية تسود ولا تحكم. فالشرخ يتسع يوما بعد آخر بين الراعي والرعية.
لماذا يصر المخزن على المضي في طريق التطبيع مهما كلفه الموقف على المستوى الداخلي، وهل صار المغاربة اليوم ينظرون إلى القصر العلوي بعين الخيانة؟
المغاربة يعرفون أكثر من غيرهم خيانة الملوك العلويين لقضايا المغرب. فهؤلاء الملوك هم الذين باعوا البلاد “بدراجة هوائية” وأتوا بالحماية الفرنسية 1912، وهم الذين تآمروا على ثورة عبد الكريم الخطابي مع الإسبان والفرنسيين، ويكفي التذكير بتسليم الملك الحسن الثاني لتسجيلات ومحاضر القمة العربية إلى الكيان الصهيوني، والجيوش العربية وقتئذ تستعد لحربها مع إسرائيل سنة 1967 وهذا شيء لا ينكره أحد، واعترف به الصهاينة وذكره الصحفي المصري المعروف محمد حسنين هيكل في مقابلة له مع قناة الجزيرة. من هنا، القصر الملكي مصر على ألا يخالف سيرة آبائه وأجداده في الخيانة ولذا هو ماض في طريق التطبيع مهما كانت التكلفة لسبب واحد هو الرغبة في حماية العرش من غضب الشعب المغربي وثورته التي لا محالة آتية عاجلا أم آجلا، وخير ملاذ للأسرة الملكية في الوقت الراهن هو الكيان الصهيوني الذي وصلت أذرعه إلى التحكم في كل شاردة وواردة في المغرب إلى درجة إشرافها على وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، إضافة إلى تغيير مناهج التعليم والتربية بدون الحديث عن تسيير ومراقبة الأجهزة الأمنية المغربية، وفوق هذا وذاك يخشى العرش الملكي من تطورات الحرب في الصحراء الغربية ويمكن أن يكون لها من انعكاسات مباشرة على وعي الجيش المغربي الضحية الأولى لهذه الحرب وعلى الاقتصاد المغربي بتعميق أزمته الذي هو أصلا متأزم وفي الحضيض، كما يمكن أن نضيف إلى العقدة السرمدية تجاه التفوق الجزائري..
الكل يتساءل في خضمّ ما يجري داخل القصر العلوي والمملكة، أين هو محمد السادس؟ غائب أم مغيب؟ ومن يتحكم في دواليب الحكم؟ هل سيدفع ذلك، مع حالة الانفجار الشعبي، إلى خروج الخلافات بين مراكز القوى إلى العلن، وما شكل الصراعات المتوقعة حينها؟
إن المكائد والمؤامرات فيما بين المربع القريب من القصر كانت دائما هي السمة الأصل للوضع، بل أصبح الأمر أشبه بحروب أجنحة للوصول والتقرب من العرش. لكن العرش نفسه نتيجة لضعف الجالس عليه وغيابه المستمر عن البلاد، بل حتى عدم اكتراثه بالمسار الاقتصادي والاجتماعي الرديء والمتسارع نحو الهاوية من دون ذكر المعاناة التي يصرخ بها كل رعية من رعاياه. فهو غارق في اهتماماته الشخصية سواء جمع المال والإثراء على حساب الشعب المطحون – شراء القصور في فرنسا وزنجبار والكونغو وغيرها – أو ميولاته لإشباع غرائزه التي لا تخفى على أحد، الشيء الذي أدى إلى إضعاف هيبة “أمير المؤمنين”. كما أنه لا يواجه مشاكل البلاد وهو ذا سلطة مطلقة وفوق الدستور، وحسب مجلة “الإيكونوميست” قليلا، ما يتحدث للشعب ونادرا ما يتفاعل مع الأحداث السياسية والاجتماعية بشكل مباشر.
إن القصر الملكي في ظل محمد السادس تراجعت شعبيته على المستوى الوطني وربما لأول مرة في تاريخ المغرب المعاصر صار المغاربة يجاهرون صراحة في الأماكن العامة بانتقادهم لشخص الملك ويكثرون من “النكاة” عليه. هكذا صارت تتآكل الدعاية الرسمية القائلة بان “الملك ملك الفقراء لكن النخبة السياسية سراق”، وتفقد تأثيرها على العقول وتلكم هي بداية كسر حاجز الخوف عند المغاربة من غطرسة العلويين والدخول إلى مرحلة متقدمة من النضال لإسقاط ملكية القرون الوسطى.
إن المنافسة داخل القصر الملكي زادت من ضبابية المشهد، وزادت من حدة التساؤل عن اسم الملك القادم الذي سيحكم المغرب، لأن الملك يفضل ابنه، بينما الأخوات وطابور آخر كبير يريدون الأخ الأصغر رشيد، ويحاول كل طرف استقطاب “الأيادي الأمنية” التي تحكم المغرب في الخفاء.
صمت الملك وغيابه أدّى إلى بروز مربّع الحكم القديم وهو الذي يُمكن تسميته بـ”التحالف الأمني” المكوّن من أجهزة الأمن والمخابرات ورجال الأعمال المنتفعين من الاقتصاد الريعي وأصحاب المصالح من الساسة وكبار الموظفين في مؤسسات الدولة والذي أطلق عليه نقيب المحامين المغاربة محمد زيان الذي رمي به في السجن “شبكة الاستحواذ على الدولة”. من جهة أخري، الكيان الصهيوني سيكون حاسما في اختيار من يحكم المغرب نظرا لتغلغله الكبير داخل النظام المخزني، خاصة في عهد محمد السادس بحيث أن مستشار الملك الحالي الذي ورثه عن أبيه الحسن الثاني اليهودي أندري ازولاي هو من يدير فعلا حكومة الظل، وهو الذي نال “ميدالية الشرف الرئاسية” وتقلدها من يد الرئيس الصهيوني إسحاق هرتسوغ السنة الماضية..
إن لعبة مصالح الأجنحة الحاكمة في المغرب وعين إسرائيل التي تحاول ضبط عقارب ساعتها على ساعة القصر الملكي الخادم الطيع يصعب من مهمة التغير السريع في المغرب اللهم إلا إذا تدخل الجيش لإنقاذ البلاد ومسح عنه عار الإذلال الذي وضعه فيه الملك والضباط الإسرائيليون.

شارك الموضوع
%d مدونون معجبون بهذه: