القضية الصحراوية والانتخابات الأمريكية: تأثير كبير على مستقبل آخر مستعمرة في أفريقيا

تشكل الانتخابات الأمريكية حدثًا محوريًا ليس فقط على الصعيد الداخلي، بل تمتد تأثيراتها إلى العلاقات الدولية وقضايا التحرر، حيث تعتمد السياسة الخارجية الأمريكية بشكل كبير على الإدارة التي تتولى السلطة بعد الانتخابات فكل إدارة جديدة تأتي بأجندة مختلفة تؤثر على التوجهات الأمريكية في التعامل مع القضايا الدولية، وهذا يمكن أن يغير الديناميكيات الدولية بشكل كبير.

في السياق الصحراوي، أظهر التاريخ الحديث أن نتائج الانتخابات الأمريكية يمكن أن تؤثر بشكل جوهري على كيفية تعامل الولايات المتحدة والمجتمع الدولي مع القضية الصحراوية. فبعد فوز الرئيس جو بايدن، وجهت شخصيات أمريكية بارزة وأعضاء من الكونغرس نداءات ملحة تطالب بإعادة النظر في قرار الرئيس السابق دونالد ترامب بالاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، وهو قرار يتعارض مع القوانين الدولية والقرارات الأممية التي تؤكد على حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره من خلال استفتاء حر ونزيه و يتعارض كذلك مع مواقف جميع الإدارات الأمريكية السابقة.

ورثت حكومة بايدن قرار ترامب، مما وضعها في موقف معقد فرغم أن إدارة بايدن أبقت قرار ترامب في حالة جمود و لم تتخذ إجراءات حاسمة لتكريسه على أرض الواقع و لم تسمح بفتح قنصلية أمريكية في الصحراء الغربية كما كان مخططًا من قبل إدارة ترامب، مما أثار استياء النظام المغربي الذي كان يسعى جاهدًا لتحقيق هذا الهدف، إلا أن هذا الموقف يظل غير كافٍ مادام قرار ترامب الذي يخالف الشرعية الدولية و قرارات الامم المتحدة لم يتم إلغاءه.

إذا تحقق فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب في الانتخابات المقبلة، ستواجه القضية الصحراوية تحديات جديدة، نظرًا لقراره السابق بالاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية كجزء من صفقة تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل في إطار ما سُمي باتفاقيات أبراهام. هذا الاعتراف أثار جدلاً كبيرًا، خصوصًا أنه تم توقيع الاتفاق من قبل حكومة حزب العدالة والتنمية المغربي ذو التوجه الإسلامي كما كشف قرار التطبيع المغربي الفاحش مع الكيان الصهيوني زيف شعارات النظام المخزني التي تدعي دعمه للقضية الفلسطينية.

يعتبر قرار الاعتراف بسيادة المغرب المزعومة على الصحراء الغربية انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، حيث أكدت محكمة العدل الدولية عام 1975 أن لا سيادة للمغرب على الإقليم، وأن الشعب الصحراوي له الحق في تقرير مصيره كما يتعارض هذا القرار مع موقف مختلف الإدارات الأمريكية التي كانت تدعم جهود الأمم المتحدة لإيجاد حل عادل ودائم للقضية.

تأثرت سمعة الولايات المتحدة عالميًا بسبب إعلان الاعتراف بسيادة المغرب الوهمية على الصحراء الغربية، وهو إعلان يشرعن الاحتلال بالقوة ويضرب عرض الحائط بمواثيق الأمم المتحدة و يشكل سابقة خطيرة تعطي الضوء الأخضر لأي نظام مارق باستعمال القوة و الاستيلاء على أراضي الغير بدون رادع و لا محاسبة.

في حال عودة ترامب إلى البيت الأبيض، من المتوقع أن يعزز نهج التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل و من المنتظر ان اللوبي المغربي في واشنطن سيحاول دفع الإدارة القادمة نحو تبني حل يرضي النظام المغربي أو على الأقل يحافظ على الوضع الراهن وهذا قد يقوض فرص الحل العادل للقضية الصحراوية مما يزيد من معاناة الشعب الصحراوي سواء داخل الأراضي المحتلة أو في اللجوء.

لقد دأب اللوبي المغربي في واشنطن على تحسين صورة النظام المغربي عبر عقود طويلة، حيث ينفق ملايين الدولارات سنويًا على شركات الضغط للتأثير على السياسة الخارجية الأمريكية فيما يتعلق بالقضية الصحراوية و الدفاع عن ملكية شمولية تهيمن على المغرب منذ 1666 و ترتكب باستمرار انتهاكات شنيعة لحقوق الإنسان و تسيطر على الاقتصاد المغربي.

من المعلوم ان جماعات الضغط تضطلع بدور كبير في التأثير على السياسة الخارجية الأمريكية اذ تسطيع من خلال قنواتها و اساليبها المختلفة التأثير على القرارات الهامة للإدارة الأمريكية.

فالنظام المغربي يدفع ملايين الدولارات كل سنة للعديد من شركات الضغط للتأثير على الإدارات الأمريكية المختلفة في ما يخص القضية الصحراوية و يعيد النظام المغربي هيكلة شبكات الضغط التابعة له في واشنطن بالتعاقد مع شركات و شخصيات مقربة من الادراة الأمريكية للتكيف مع التغيير الحاصل بعد كل انتخابات رئاسية.

تُظهر البيانات التي ينشرها المركز الأمريكي المتخصص في قانون تسجيل الوكلاء الأجانب المعروف بإسم (قانون فارا) و الذي يفرض التزامات الكشف العلني على الأشخاص الذين يمثلون المصالح الأجنبية ان النظام المغربي في السنة الماضية أنفق اكثر من مليون دولار أمريكيي على ممارسة الضغط والتأثير في الولايات المتحدة الأمريكية. و بالرغم من التحديات الاقتصادية العالمية، يستمر الإنفاق المغربي و تستمر أنشطة هذا اللوبي بشكل ملحوظ حتى الان.

لقد أخطأ النظام المغربي في بحثه عن من يقدم له السيادة على الصحراء الغربية متجاهلا ان الذي يملك السيادة هو الشعب الصحراوي فقط. و في إطار سعيه الفاشل عن الاعتراف باحتلاله اللاشرعي للإقليم خسر ملايين الدولارات التي قدمها لشركات الضغط كما تخلى عن القضية الفلسطينية و أرضخ مذعنا للكيان الصهيوني و مقدما له كل التنازلات و لكنه بالرغم من كل هذا كان الخاسر الأكبر و عاد بخفي حنين، فالقضية الصحراوية لا تزال مسجلة كقضية تصفية استعمار بالأمم المتحدة و الجمهورية الصحراوية تتمتع بعضويتها في الإتحاد الأفريقي.

أظهر الشعب الصحراوي عبر التاريخ قدرته الفائقة على مواجهة التحديات، حيث قاوم محاولات الاستعمار البرتغالي والإسباني والبريطاني لقرابة أربعة قرون، وأبدى بسالة قل نظيرها في مواجهة الغزو المغربي المدعوم من الدول الغربية و بعض دول الخليج في سبعينيات القرن الماضي.

كما أظهر الشعب الصحراوي صمودًا كبيرًا لا مثيل له في الأرض المحتلة و في مخيمات اللاجئين في ظروف قاسية لما يقارب خمسين سنة و يبقى الشعب الصحراوي مصممًا على نيل حقوقه في تقرير المصير و الاستقلال مستمدًا قوته من عزيمته وإرادته التي لا تلين و تظل الثورة الجزائرية المظفرة ونضالات جنوب إفريقيا ضد الفصل العنصري مصدر الهام للشعب الصحراوي و خزان الوقود المعنوي الذي يزيده عزيمة و اصرارا على المقاومة والصمود حتى تحقيق النصر.

فصمود الشعب الصحراوي ومقاومته ليست فقط لتحرير أرضه المحتلة، بل لوقف أطماع التوسع المغربي في المنطقة بأكملها و من اجل هذا الهدف النبيل قدم تضحيات جسيمة لتنعم شعوب المنطقة بالسلام والاستقرار.

ان الشعب الصحراوي يواجه في هذه المرحلة تحديات مصيرية تتطلب استنفارا عاما و تتطلب وقفة مع الذات لرص الصفوف و تعزيز الوحدة الوطنية ووضع خطط استراتيجية تمكن من مواجهة التحديات بفعالية في ظل واقع حرب الإبادة التي يشنها نظام المخزن المغربي.

أمام هذه التحديات يتعين التكيف مع التغيرات السياسية العالمية بنهج مرن واستراتيجية متكاملة اذ يتطلب الأمر تعزيز العلاقات مع الدول والمنظمات الدولية الداعمة للقضية الصحراوية وتسليط الضوء على الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان ونهب الثروات الطبيعية في الصحراء الغربية.

و لابد كذلك من التعامل مع وسائل الإعلام والمنظمات غير الحكومية لنشر الوعي حول قضية الصحراء الغربية لتعزيز الضغط على الأمم المتحدة للقيام بدورها في تنظيم استفتاء لتقرير المصير وفقًا للقرارات الدولية.

و يبقى تطوير العلاقات مع الحلفاء، خاصة في إفريقيا، أمرًا ضروريًا لدعم الشعب الصحراوي دبلوماسيًا وماديًا وعسكريًا فالدعم الفاعل أصبح ضرورة ملحة لتحقيق النصر وتصفية الاستعمار من الصحراء الغربية، خصوصًا في ظل إنفاق المغرب الكبير على التسلح و استنجاده بالكيان الصهيوني.

يواجه الشعب الصحراوي أعداء متكالبين ونظامًا مغربيًا مدعومًا ماليًا وعسكريًا من حلفائه، الذين زودوه بأحدث الأسلحة المتطورة، فحسب تقرير نشره معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، فإن الإنفاق العسكري للمغرب سنة 2023 تجاوز خمسة مليارات دولار أمريكي في الوقت الذي يعاني فيه المغرب من ديون فاقت مئة مليار دولار و التي باتت تثقل كاهل الشعب المغربي الفقير و المهمش الذي يعاني من غلاء المعيشة و البطالة المرتفعة.

لاشك ان القضية الصحراوية تقف على مفترق طرق حساس يتطلب تعزيز الوحدة الوطنية، تقوية الجبهة الداخلية و الرفع من قدرات جيش التحرير الشعبي الصحراوي و جلب الدعم الدولي اللازم لمواجهة التحديات القادمة.

ستبقى وحدة وتصميم الشعب الصحراوي الصخرة التي تتحطم عليها أطماع النظام التوسعي في الرباط و يبقى دعم الحلفاء المادي و المعنوي ضرورة ملحة لتحقيق الهدف النهائي بتصفية الاستعمار وتمكين الشعب الصحراوي من تقرير مصيره.

يقلم: محمد فاضل كمال ممثل الجبهة يأستراليا

شارك الموضوع
%d مدونون معجبون بهذه: