المرحلة تحتاج رجال الإطفاء، لا وقود النيران.
من المجحف جداً في حق الذاكرة التاريخية للشعب الصحراوي، بعد أن قطع مسافة نصف قرن، من الآلام و المعاناة، الأمجاد و التضحيات، يجد أن دائرة القرار و مصدر التوجهات، منشغلة في حروب بينية، لا تسمن ولا تغني من جوع، و جعلت من القواعد طرفاً ثالث فيها، حتى يكتمل مشهد ”الهاوية وجهة“.
أين أصحاب البصيرة و العقول الرزينة؟ أين حماة اللحمة و الإنسجام و التآخي؟ أين رجال الإطفاء و التصالح؟ أين هم الصحراويات و الصحراويين الغيورين على المصير و المستقبل؟ إلى كل هؤلاء، أوجه النداء: إحموا الثورة، إحموا الجبهة، إحموا الدولة، إحموا المشروع الجامع و الموحد و المنقذ، فالفرص ليست متاحة دائماً.
أليس من الأفضل وضع حد لهذا العبث، الذي بات طعم لذيذ المذاق للأعداء، مكنهم من كسب نفسيات زائدة، و خيل لهم أن نهاية كفاح الشعب الصحراوي باتت مسألة وقت فقط! إعلامهم يطبل بأن المعركة حسمت و عملائهم يرقصون على أنغام ”نهاية الحلم“، و نحن منشغلين برسائل و كتابات و صوتيات، جل اهتمامها منصب على تكسير العظام و تصفية الحسابات.
قيادة البوليساريو أشخاص، يختلفون غالباً و يتخالفون أحياناً، لكن ما كان يميزهم و لم يعد، أن خلافاتهم مهما عظمت مستوياتها، بقيت حبيسة غرف مظلمة، لا عدو سمع بها و لا حليف تفطن لها، لأنها كانت خلافات من أجل المصلحة العامة، لا المصالح الذاتية، حتى تذاع هنا و هناك، و تبلغ مسمع «لي يسوى» و «لي ما يسوى».
لا خلاف، أن عديد التوجهات و السياسات، تستوجب من قيادة الشعب الصحراوي المراجعة و التعديل، و أغلبها بحاجة إلى خطة إنقاذ عاجلة، تحمي أهداف المشروع الوطني و ذخيرته، و تضمن الأمن و الإستقرار و التآخي، و تؤسس لدولة مؤسسات، تدافع عن قوانينها و نظمها، و تحمي قواتها و موظفيها، و تهيء أرضية تناسب حالة الحرب التي نخوضها ضد عدو، نعلم علم اليقين خبثه و خبث آلياته و أدواته و سبله و غاياته.
هذا المشروع لم يولد من حالة فراغ، و ليس هو بالمنحة على الصحراويين، بل هو نتاج تضحيات شعب بأكمله، إمتزجت فيها دماء و عرق الأبيض و الأسود، الرجل و المرأة، و من غير المعقول أبداً ولا المقبول، أن نصل إلى نصف الأخير من الطريق، و ندخل في حالة سباة و تهاون و إندثار، تهدد مستقبل الحصاد، و تمهد لبداية فرقة الصحراويين و كسر وحدتهم و بالتالي، إنهاء حلمهم بتحقيق أهدافهم.
إستفبقوا من غيبوبة الصراعات السياسية «البراغماتية»، فقد سبقتكم لها أنظمة و دول، و خاتمتها جميعها كانت واحدة: الفشل و الزوال و الاندثار و التفكك، و إستجمعوا القوى و وحدوا الصفوف، فأولى ركائز الحرب الهمة و الإرادة، و إن إنشغلنا بغيرهما، بات كل شيء مهدد، عطاءات الماضي و جهود الحاضر و أفاق المستقبل.
بقلم : الشيخ لكبير سيدالبشير