الأحزاب السياسية جزء من معضلة الفساد بالمغرب
تعتبر الأحزاب السياسية في المغرب جزء لا يتجزأ من معضلة الفساد المستفحل, حيث تحولت من وسيلة لتمثيل مطالب المواطنين إلى أداة لتحقيق أهداف شخصية, بينما تواصل الحكومة تقاعسها عن إيجاد حلول جذرية للأزمات المتعددة الاوجه التي يتخبط فيها المواطنون.
و أكد رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام, محمد الغلوسي, أن الاخيرة وجهت شكاية لدى النيابة العامة على ضوء التقرير الأخير لمجلس الحسابات الذي كشف عن اختلالات كبيرة في طريقة تدبير الأحزاب السياسية للدعم العمومي الموجه لها ومن بينه أموال الدراسات.
وأشار الغلوسي, في فيديو نشره على صفحته بفايسبوك, أن بعض قيادات الأحزاب السياسية انفعلت اتجاه تقرير المجلس الأعلى للحسابات, بدعوى أن المجلس مدعو لفحص مالية مؤسسات كبرى وصفقات عمومية كبرى تعد مجالا خصبا للفساد والرشوة, وأن الأحزاب لا تتلقى سوى مبالغ مالية ضعيفة جدا وتوجيه الانذار إليها هو استهداف للعمل السياسي والحزبي.
واعتبر أن هذه المبررات هي حق أريد منه باطل, لأن المجلس مدعو لفحص كل المؤسسات والقطاعات العمومية دون أي استثناء أو انتقائية, لكن السؤال المطروح في هذا الإطار لماذا لا تملك القيادات الحزبية الشجاعة لطرح العديد من ملفات الفساد على القضاء ومناقشتها أمام البرلمان.
وسجل أن الكثير من الأحزاب السياسية تتجنب إثارة مواضيع الفساد والرشوة وربط المسؤولية بالمحاسبة, لدرجة أن هناك صمتا وتواطؤا مع قضية سحب مقتضيات تجريم الإثراء غير المشروع من القانون الجنائي, ولاحظنا – يضيف ذات المتحدث – كيف أن أغلب الأحزاب السياسية لاذت بالصمت ولم تناقش الموضوع.
و أمام هذا التواطؤ المريب مع هذه الظاهرة المدمرة, أكد على أن السبيل الوحيد لربط المسؤولية بالمحاسبة هو إحالة بعض زعماء الأحزاب السياسية, الذين تورطوا في اختلالات وتبديد أموال عمومية وتضارب المصالح, على القضاء.
وأماط تقرير المجلس الأعلى للحسابات الصادر الأربعاء الماضي, حول تدقيق حسابات الأحزاب المغربية وفحص صحة نفقاتها برسم الدعم العمومي للسنة المالية 2022, اللثام عن جملة من الاختلالات والصعوبات التي تواجهها مجموعة من الأحزاب بخصوص تدبير ماليته, وهو ما يضع هذه الهيئات السياسية في موقف حرج أمام قضاة المؤسسة الدستورية.
و في ظل السياسات المخزنية التي تتسم بغياب رؤية استراتيجية عملية طويلة الأجل, مجسدة في خريطة طريق محددة زمنيا, شدد المصدر على ضرورة التصدي لكافة أشكال الفساد و فتح نقاش حول أخلقة المشهد الحزبي ووضع شروط للانتماء, على اعتبار أن أغلب الاحزاب لا معايير لها للانتماء و لا تطرح سؤال حول الديمقراطية ولا تطالب بانفراج سياسي وحقوقي بإطلاق النشطاء والصحافيين ومعتقلي الرأي والسياسة, والبرلمان لم يعد منصة للترافع على قضايا المجتمع.
و في سياق ذو صلة, أكد محمد بشير الراشدي, رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها,أن الإثراء غير المشروع موضوع نقاش, غير أنه لم يعرف تقدما على مستوى الحكومة.
وشدد المتحدث نفسه على أن جميع المجالات يشملها الفساد, بما فيها القطاع الخاص, مشيرا إلى أن “الفساد في القطاع الخاص له منابع من القطاع العام, إذ لا يمكن فصل الجانبين عن بعضهما البعض”.
و عاد المتحدث ليؤكد أن الإستراتيجية المخزنية الواهية لم تعط أكلها ولم يكن هناك تغيير, حيث مقاربة الحكومة لمحاربة الفساد لا تضم الزجر والردع والوقاية, كونها جزء من المعضلة ذاتها.
و تابع يقول : “هذا التواطؤ يعكس غياب النزاهة والمسؤولية لدى الحكومة, حيث لم يعد الفساد في المغرب مجرد مشكلة, بل أصبح واقعا مريرا يتجلى في تورط الحكومة وتواطؤها المشين في تغطية هذه السلوكيات الفاسدة, فبدلا من أن تكون حامية لحقوق المواطنين وحافظة على مقدرات الدولة, أصبحت شريكا في الجريمة تتوارى خلف الأبواب المغلقة وتفتقر إلى الارادة في مواجهة الفاسدين ومحاسبتهم”.
و بهذا تظهر تصرفات الحكومة وبعض الاحزاب في المغرب عن تورطها الصارخ في تفاقم الفساد, حيث تتخذ سلوكيات غير أخلاقية وتنظيمية تعزز هذه الظاهرة المدمرة, سواء من خلال التلاعب بالموارد العامة أو التعامل غير الشفاف مع التمويل السياسي.
يذكر أن الجمعية المغربية لحماية المال العام أطلقت قبل أسبوعين, حملة وطنية لتجريم الإثراء غير المشروع ولمصادرة أموال كل المسؤولين الموقوفين بتهم تبديد المال العام إلى حين صدور الحكم النهائي فيما يتابعون فيه.