انطباع:التاريخ ودولة جنوب المغرب

بقلم:محمد لمين أحمد عضو الامانة الوطنية ،رئيس المجلس الإستشاي
منذ فترة غير وجيزة تتبعت قضايا المغرب، فاطلعت على عدد من المقالات التي كُتبت عن الشعب المغربي الطيب الصبور على محنه-مهما تعددت-بالإضافة إلى سياسة التوسع على حساب جيران البلد. مع تقديم عددا من الحجج التي تُقَدَّم، ليس من طرف حكام هذا البلد، بل تقدم حتى من طرف أعضاء من النخبة والمثقفين، بالإضافة إلى التشكيلات السياسية أحزابا ومنظمات ، وحتى أعضاء مايسمى المجتمع المدني، إلا أن الأغلبية مهما كانت التسميات تصب في إناء واحد: التوسع على حساب الغير، بل يُنَظِّرون لذلك حتى وصل لهم الأمر إلى الإفتراء وتحريف التاريخ.
وتطرقت في مقال سابق لتزوير حتى المواقع الإسلامية في المشرق العربي خاصة فلسطين المحتلة وأسهبت في التفسير للقارئ وللمتتبع عن موضوع حارة المغاربة وباب المغاربة في مدينة القدس الجريحة،والتي أسندها حكام المغرب وصحافتهم إلى المغرب الحالي.
تلك عبارة بسيطة:المشارقة تطلق على ماهو شرق ليبيا إلى تخوم العراق وكلمة المغاربة تطلق على كل ماهو غرب الحدود الليبية إلى المغرب الأقصى والصحراء الغربية و بلاد شنقيط (موريتانيا).
اليوم أردت أن أُذَكر ببعض الحقائق التاريخية التي لا جدال في صحتها ولايمكن نكرانها إلا من لئيم.
1 المعاهدة التي وقعها أحد أقوى سلاطين المغرب الأقصى مولاي محمد بن عبدالله إلى جانب شارل الثالث ملك إسبانيا بتاريخ 18مارس1767، والتي نصت في مادتها الثامنة 8 على:
“أن سلطان المغرب يعلن تحفظه فيما يخص رغبة الملك الكاثوليكي بإيجاد مؤسسة له جنوب وادي نون لأنه – أي السلطان-لايمكنه تحمل المسؤولية تجاه الأحداث التي تقع هناك، أو المآسي التي ستحدث لأن سيادته لاتصل إلى تلك المنطقة، ولأن السكان هناك خطيرين، ومتوحشين، والذين تسببوا على الدوام في مآسي لسكان جزر كناريا بل استعبدوهم”.
لا أريد أن أكتفي بنص تلك المعاهدة بل أحيل القارئ إلى المعاهدة الثانية.
2-المعاهدة التي وقعها خليفة السلطان محمد بن عبدالله، مولاي سليمان مع الإسبان الموقعة في 1مارس 1799، بمكناس عاصمة سلطان المغرب الأقصى حينها والتي أعادت التأكيد على أن سيادة سلطان المغرب الأقصى لا تتعدى وادي نون جنوبا.
3- المعاهدة الإنجليزية المغربية الموقعة في ديسمبر1856والتي حددت بدورها سيادة سلطان المغرب الأقصى حتى لا تصل وادي نون جنوبا.
4-المعاهدة المغربية الإسبانية المؤرخة في 20نوفمبر 1861والتي أعادت في مادتها 38 التأكيد على مانصت عليه الاتفاقيات السابقة ذكرها بين سلاطين المغرب الأقصى وملوك إسبانيا.
ومما ورد في كتاب الاستقصا في أخبار بلاد المغرب الأقصى لمؤلفه العلوي المغربي سنة 1832 أن منطقة المغرب الأقصى (يسميه الغربي) تحد شرقا بنهر ملوية وجبال تازة و من الشمال البحر الأبيض المتوسط ومن الجنوب جبال الأطلس.
ولا شك أنه استقى ذلك من العالم الإجتماعي والمؤرخ المغاربي: عبد الرحمن ابن خلدون في مقدمته الشهيرة والتي ينص فيها : “أن الحدود للمغرب الأقصى من الشرق نهر ملوية الذي يتجه غربا إلى آسفي وهي نقطة على شاطئ البحر وتنتهي جنوبا إلى درون-أي وادي نون-.
وفي هذا البحث أعرج على مقابلة لي مع المرحوم محمدعالي ولد محمد يحظيه ولد بوعمامة في قرية العصماء شمال مدينة انواكشوط جنوب مدينة اكجوجت يوم 20 ديسمبر2012 فأفادني بما يلي وهو رجل ذو معرفة وصدق فيقول:
1-ابناء القايد المدني (بلاد السيبة) وأحفاده اللذين حاربوا الفرنسيين وكانوا مستنجدين بإخوانهم الصحراويين في مناطق آيت بعمران سنة 1914.
2-معركة آكلو جنوب غرب تيزنيت قادها البعمرانيون اكتوبر1914 مدعومين بالصحراويين الذين استشهد من بينهم : أحمد ولد محمد سالم ولد بوصولة، محمدالناجم ولد لخليفة القادم من الساقية الحمراء، الحسين ولد عبدالل ولد عطاف، سليمان ولد محمود و لد عدي،خطاري ولد محمد العيش، الساهل ولد ملد، احميده ولد احسينه(من اهل آسا).
وقد شارك في تلك المعارك ابناء القايد امبارك البيراني المجاطي و قد استطاعوا دحر القوات الإستعمارية الفرنسية سنة 1917 مابين مجاطة ولخصاص في آيت بعمران في تلك المعركة التي قادها القايد المدني، وشارك فيها عدد من الصحراويين كتلك التي سبق ذكر بعضها.
ألا يتذكر إخواننا الباعمرانيون أنه استشهد منهم في مجاطة وحدها اكثر من ثلاثمئة شهيد في معركة وجان وحدها (كما يقول المرحوم محمد عالي بوعمامة) .
وذلك إبان الحملة الإستعمارية الفرنسية التي قادها الجنرال الفرنسي: دولا مونت DULA MONTE بمعية قوات(مولاي احفيظ) سلطان المغرب الأقصى (صاحب معاهدة الحماية الفرنسية للسطان في المغرب 1912) حينها التي سيطلق عليها اسم المخازنية ومنه اشتقت كلمة المخزن.
إن الحملة التي قادها الجنرال دولا مونت وقوات احفيظ كانت بتاريخ 24مارس1917. و يذكر محمد عالي يومه ان تلك المعركة المشهودة شارك إلى جانب الباعمرانيين المجاهدين عدد من الصحراويين والذين جرح عدد منهم ومن بينهم:
ابراهيم ولد اعلي ولد اعبللا عالي ولد ابا لحسن،عياد ولد الصالح، امبارك ولداحماد،البشير ولد ابراهيم ولد برداللي،عبدالسلام ولدمحمدكوري، إبراهيم ولد عيللي، عزوز ولد سيد العربي، محمد ولد احسينه.
يضيف المرحوم محمد عالي بوعمامة:أين أبناء آيت ملول الذين هزموا جيش الكنداني في 12 ابريل1921بقيادة القايد الناجم وأبناء مجاط؟ وأبناء القايد امبارك البيراني؟ تلك معركة خاضها ابناء تلك المنطقة ضد الجيش الفرنسي وأعوانه حينها انجدهم الصحراويين بلا منٍّ.
أين ابناء واحفاد القايد المدني والقايد الطاهر الإيفراني وابناء وأحفاد القايد الاعبللاوي؟
ولابدلي في هذا الحديث الشيق مع أحد الحافظين الصحراويين للتاريخ ولعلاقة ابناء الساقية الحمراء بإخوانهم جنوب بلاد السيبة من الباعمرانيين الطيبين الشجعان والذين وجدنا فيهم حسن الوفاء يقول المرحوم محمدعالي بوعمامة.
وذكرني محدثي بأن الباعمرانيين طالبوا باستقلال بلادهم سنة1948 في مدينة إيفني عاصمة الباعمرانيين بقيادة القايد أحمد والمقدم بلعيد، وبوشامة وأمغار أسعيد، و استقبلهم من الجانب الإسباني الكابيتان: باردو الذي ترأس الإجتماع ووعد المطالبين بالإستقلال خيرا فنكث به على عهد العهود الإسبانية بكل مستعمراتها.
وللتذكير فإن الكابيتان الإسباني سيترقى فيما بعد إلى رتبة جنرال ليصبح منسقا لعملية أراكون مع الفرنسيين في مدينة داكار والتي يطلق عليها الجانب الفرنسي عملية ايكوفيون، والتي سحقت المقاومة الصحراوية في أواخر فبراير وأوائل مارس 1958بتعاون مكشوف مع سلطان المملكة المغربية.
تولى الترجمة في تلك المفاوضات الاسبانية الباعمرانية المرحوم:محمد يحظيه بوعمامة-والد المتحدث-الذي تعرض للسجن الاسباني في مدينة الطرفاية أوائل سنة 1958.
كما كان يساعده في الترجمة المرحوم:أحمد باريكللا، هذا الأخير انتقل بعد تلك المفاوضات إلى مدينة الداخلة بوادي الذهب.
وكرد جميل للمملكة المغربية تخلت إسبانيا عن منطقة الطرفاية التي تمتد إلى تافنيديلت على ضفاف وادي درعة طبقا لاتفاقية فاتح ابريل1958 في جزيرة سينترا البرتغالية الموقعة من طرف اسبانيا، فرنسا والمغرب.
كما تخلت إسبانيا عن مدينة إيفني عاصمة آيت باعمران وذلك بتاريخ 30 يونيو1969.
ومعلوم أن مدينة إيفني استعمرت منذ 1860ولم يعلن ذلك الإحتلال إلا سنة 1934بعد اتفاقية آمزدوغ الموقعة من طرف قادة قبائل آيت باعمران وإسبانيا.
أردت التذكير بتلك الحقائق التاريخية علها تفيد الباحثين من أبناء تلك المنطقة التي شهد شاهد من أهلها- سلاطين المغرب الأقصى-بعدم تبعيتها لهم منذ قرون.
ثم أنه لابد من الإشارة هنا إلى أن سلطنة المغرب الأقصى نالت “استقلالها”مازالت محمية فرنسية إلى اليوم. الإستقلال المعلن كان سنة1956ويحتفل به سنويا.
ترى لمَ لم تحترم المملكة المغربية -الإسم الجديد للسلطنة-البند الخاص باحترام الحدود الموروثة غداة الاستقلال المنصوص عليه في الميثاق التأسيسي للإتحاد الإفريقي والموقع عليه من طرف المملكة المغربية والصادر في الجريدة الرسمية المغربية يناير 2017 والذي بموجبه انضم المغرب للإتحاد الإفريقي .
التوقيع على الاتفاق ونشره في الجريدة الرسمية بظهير ملكي يعطي لأهالينا في آيت باعمران ومنطقة سوس عموما والمناطق المحاذية لها جنوبا الحق في المطالبة بدولتهم جنوب المغرب كما كان عليه الحال في دولة جنوب السودان التي بعد كفاح مرير انتزعت استقلالها من دولة السودان.
وذلك عودة إلى النصوص وإلى ماسطره المؤرخون والمستكشفون وبشهادة ممن ينظرون اليوم للتوسع في دنيا مملكة المغرب الأقصى.

 
شارك الموضوع
%d مدونون معجبون بهذه: