بين تونس والمغرب.. الكيل بمكيالين

تركزت الأنظار نحو تونس خلال الأيام الأخيرة بسبب تفاعلات قضية المهاجرين غير الشرعيين بعد تزايد أعدادهم بشكل ملحوظ في شوارع عدة مدن تونسية وفق تقديرات السلطات التونسية التي اتخذت إجراءات بترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية. نفس المشكل تعيشه دول المنطقة بدرجات مختلفة، كما اختلفت التدابير التي اتخذتها هذه الدول في التعامل مع الظاهرة بين الأساليب الإنسانية الحضارية وأخرى اختارت أساليب همجية خارجة عن القانون وصلت حد استعمال القوة المميتة كما حصل في المغرب شهر جوان الماضي، عندما لقي العشرات من المهاجرين السودانيين حتفهم على يد القوات المغربية بمدينة الناظور المحادية للجيب الإسباني مليلية.
عرفت ظاهرة انتشار المهاجرين غير الشرعيين بمدن تونسية تزايدا ملحوظا خلال الأشهر الأخيرة لعدة أسباب، منها الهشاشة الأمنية والأزمة الاقتصادية بدول جنوب الصحراء وأيضا بسبب الأوضاع التي تعيشها ليبيا التي تعتبر منطقة عبور نحو أوروبا ومفضلة بالنسبة للمهاجرين غير الشرعيين. وتزامن ارتفاع أعداد هؤلاء بتونس مع أزمة اقتصادية وسياسية غير مسبوقة تعرفها البلاد وضجت مواقع التواصل الاجتماعي بتونس بصور وفيديوهات وصول مجموعات كبيرة من المهاجرين.
لكن القرارات التي اتخذتها السلطات التونسية في حق هؤلاء وتسجيل عدة حوادث واعتداءات تورط في بعضها مهاجرون أو كانوا ضحية لأخرى زادت من احتقان الوضع وتفجر جدال حول أعمال وتصرفات عنصرية. ولعل خطاب الرئيس التونسي حول خطة تستهدف تونس لتغيير تركيبتها الديمغرافية ودعوته لطرد المهاجرين غير الشرعيين زاد من حدة النقاش والمواقف الرسمية لعدة دول إفريقية على رأسها الاتحاد الإفريقي ومنظمات حقوقية دولية، مع فتح فضاء واسع للأزمة في وسائل الإعلام الدولية خاصة المهتمة بتونس والتي لديها مصالح معينة في تونس.
لكن التصريحات والمواقف الرسمية المتخذة تجاه ما يجري في تونس، الذي أخذ حيزا واسعا من النقاش والتغطية الإعلامية، مع استصدار العديد من البيانات والإدانات الرسمية لهذه القرارات، لم تكن نفسها ولا بنفس الحدة لما تعلق الأمر بالمجزرة التي شهدتها الحدود المغربية الإسبانية، بعد إقدام القوات المغربية، في شهر جوان الماضي، على استعمال القوة المميتة في حق العشرات من المهاجرين الأفارقة وأغلبهم من السودان، وأدى ذلك إلى مقتل 23 شخصا وجرح العشرات وفق الأرقام الرسمية، في حين قدمت منظمة العفو الدولية رقما مخيفا، حيث قدرت عددهم بـ37 ضحية، في حين تحدثت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان فرع الناظور عن وجود أكثر من 77 مفقودا.
وفصل تقرير “هيومن رايتس”، صدر بعد ستة أشهر من المجزرة تحت عنوان “ضربوه على رأسه للتحقق من وفاته”، أن هناك “أدلة على ارتكاب السلطات المغربية والإسبانية جرائم بموجب القانون الدولي على حدود مليلية خلال الأحداث التي وقعت عندما حاول مهاجرون ولاجئون من دول إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى العبور من المغرب إلى إسبانيا في 24 جوان الماضي. وقد أخفقت السلطات من الجانبين”، حسب المنظمة الحقوقية الدولية، في ضمان إجراء تحقيقات فعّالة وشفافة من أجل إثبات حقيقة ما حدث في ذلك اليوم، بينما عرقلت السلطات المغربية جهود العائلات ومنظمات الخبراء التي تبحث عن المفقودين بشكل متكرر.
وإن كان هناك فرق كبير بين تصريحات صنفت عنصرية، بالرغم من نفي الرئاسة التونسية، واستعمال القوة المميتة وقتل عشرات الأشخاص خارج القانون وبطريقة إجرامية، إلا أن التفاعل الإعلامي والحقوقي والرسمي، سواء للدول أو للمنظمات الإقليمية لم يكن نفسه، حيث إن التفاعل مع مجزرة الناظور لم يكن في مستوى فداحة الجريمة المرتكبة التي راح ضحيتها أرواح بشرية، وكأن نفس الأجهزة والجهات التي تحركت للتغطية على مجزرة الناظور تحاول أن تصب الزيت على النار في تونس، هذا البلد الذي يعيش أوضاعا اقتصادية صعبة جدا وأزمة سياسية حادة تضع البلاد على كف عفريت. ويرى متابعون أن هناك إرادات وأجندات خارجية تسعى لتعفين الوضع أكثر في إطار أجندة تسعى لضرب استقرار المنطقة وإلحاق تونس بحلقة المحيط المتفجر للجزائر.

رضا شنوف:جريدة الخبر

شارك الموضوع
%d مدونون معجبون بهذه: