المغرب على أعتاب “ثورة جياع”

في الوقت الذي يحاول فيه المخزن إلهاء مواطنيه الذين يعانون من ويلات الفقر والجوع، برفع شعارات أكبر من إمكانياته والتلويح بالسيطرة على أراض جزائرية ضمن لعبته القذرة المعروفة بالحدود الحقة التي ينص عليها الدستور المغربي القروسطي المتخلف، يغرق شعب المغرب المغلوب على أمره في أخطر أزمة اجتماعية منذ عقود، بسبب الغلاء الفاحش في المعيشة والارتفاع الكبير في أسعار الوقود والمواد الغذائية كالخضر والفواكه والسميد واللحوم والدواجن والأسماء والبيض والزيوت وغيرها، قبيل أيام فقط من حلول شهر رمضان الكريم، الأمر الذي يهدد بحسب مراقبين باندلاع “ثورة جياع” حقيقية، وقد بدأت ملامحها تلوح في الأفق.

ورغم الإغلاق الإعلامي الكبير الذي يمارسه المخزن على حالة الغضب الشعبي العارم جراء تحول المعيشة في المغرب إلى عملية شبه مستحيلة، خاصة بالنسبة للطبقات الفقيرة، تحدثت العديد من التقارير الخاصة وتسريبات الوسائط الاجتماعية عن تسجيل حالات من الموت جوعا بين الشعب المغربي، وهي الحالات التي لم تسجل اليوم حتى في أفقر الدول الافريقية، إلى جانب حالة من الهيجان الشعبي وصل إلى حد نزوح آلاف المغاربة بشكل جماعي نحو القصر الملكي بالرباط للتعبير عن الاحتجاج والإحباط والغضب.

وأمام الخطر الداهم الذي بات يشعر به المخزن من الغضب الشعبي المتصاعد، سارع هذا الأخير إلى الاستنجاد مجددا بصندوق النقد الدولي، وطالب بتمويل عاجل بخمسة مليارات دولار إضافية عبر “خط الائتمان المرن”، على الرغم من وصول حجم المديونية الخارجية للمغرب إلى أرقام فلكية غير مسبوقة، جعلته واحدا من أكثر البلدان الإفريقية مديونية في القارة كلها، مع عجز هائل في الميزان التجاري بلغ أكثر من 31 مليار دولار العام الماضي، مع توقعات بأن يرتفع هذا العجز التجاري بكثير في العام الجاري.

وأعلنت الهيئة المالية لصندوق النقد الدولي الإثنين الماضي، موافقتها على الطلب المغربي، الذي يأتي بعد طلبات ونداءات استغاثة سابقة للمملكة المتهالكة، على غرار ما حصلت عليه من تمويلات وعمليات نجدة “مشروطة بالتنازل عن المزيد من السيادة”، خلال أزمة كوفيد.

ويأتي القرض الجديد لصندوق النقد الدولي للمغرب، ضمن سلسلة من عمليات الاستدانة الاستعجالية التي أقدم عليها نظام المخزن من ستة بنوك دولية مختلفة، في ظرف ستة أشهر الأخيرة، من بينها البنك الدولي والبنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية وبنك التنمية الألماني والبنك الإفريقي للتنمية وأحد البنوك الإسبانية وصندوق النقد العربي، بمبالغ كبيرة، من أجل إنقاذ الوضع المتدهور بالمملكة، وتفادي حدوث ثورة جياع بدأت ملامحها تظهر في كل مكان عبر تضاعف عدد المظاهرات المنددة بالغلاء الفاحش، وتوسع دائرة التململ الشعبي إلى أقصى حدوده.

وأمام خطر المجاعة الواسعة التي باتت تهدد شرائح هائلة من المغاربة، بمن فيهم الطبقة المتوسطة، سارعت حكومة أخنوش إلى جانب موجة القروض الخارجية العاجلة التي طلبتها، إلى منع تصدير الخضراوات والفواكه المغربية إلى دول غرب إفريقيا، في محاولة يائسة لوقف تدهور ارتفاع الأسعار الجنوني، إلا أن تلك المحاولة باءت بالفشل الذريع في التحكم في أسعار السوق الملتهبة، علاوة على أنها وجهت ضربة موجعة لسياسة تصدير المنتجات الفلاحية للخارج، ما يزيد في حجم المتاعب المالية الخاصة بالموازنة.

ويرجع السبب الرئيس في التهاب الأسعار في المغرب، إلى تحكم أزلام النظام المخزني والمقربين من الملك في المناطق على أسواق الجملة داخل “مربعات” البيع، والتي وقفت معها وزارة الداخلية عاجزة عن فعل أي شيء، بسبب نفوذ الوسطاء وحجم الفساد الرهيب الذي يمنحهم القدرة على إذلال الشعب المغربي دون قدرة أي هيئة رقابية على ممارسة الردع ضدهم، وهو ما قد يضاعف تلك الأسعار الملتهبة مستقبلا وخلال شهر رمضان إلى أربعة أضعاف ما هي عليه الآن، ما يهدد بكارثة حقيقية في الأفق

مؤشرات خطيرة
وبدأ الشارع المغربي الغاضب من أوضاعه الاجتماعية المتردية في طرح أسئلة جدية عن وجهة القروض الضخمة التي يقدم عليها المخزن، والتي لم يظهر لها أثر على معيشة المواطن المغربي البسيط، الأمر الذي دفع الخبراء والمحللين والمنتديات الاقتصادية الدولية الكبرى للتحذير من المخاطر الكبيرة التي تنتظر المغرب خلال العام الجاري 2023، والتي من بينها الانفجار الاجتماعي الشامل.

وكان المنتدى الاقتصادي العالمي حول المخاطر العالمية لسنة 2023، قد حذر في تقريره الأخير، أن أخطر ما يهدد المغرب خلال السنتين المقبلتين هي أزمة تكلفة المعيشة التي لم تعد تطاق في هذا البلد، بالإضافة إلى الارتفاع الكبير في التضخم، والارتفاع الفاحش في أسعار المواد الغذائية الضرورية، وندرة عرض تلك السلع في الأسواق، وأزمة الديون المتراكمة التي قد تصل إلى حد العجز عن الإيفاء بالتزامات ضخ الأجور للعمال، مع إمكانية تحول هذه المخاطر الكبرى إلى اضطرابات سياسية، وضغوط اجتماعية خطيرة.

وقد عبرت النقابات العمالية المغربية المختلفة مثل الاتحاد الوطني للشغل، والمركزيات النقابية بالمملكة، مثل الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، والاتحاد المغربي للشغل، إضافة إلى نقابات الصحة والتعليم وغيرها، على خطورة الوضع القائم، وتزايد السخط الشعبي من موجة الغلاء غير المسبوقة، الأمر الذي قد يتجاوز معه الغضب الشعبي دائرة حكومة عزيز أخنوش، حيث تعوّد المخزن على وضع حكوماته المتعاقبة في واجهة الغضب الشعبي، إلى دائرة الحكم الملكي نفسه، باعتباره هو الحاكم الحقيقي والمشرف على حالة الفشل الشامل.

القمع لن يوقف الثورة
وحيال تصاعد الغضب الشعبي جراء غلاء المعيشة الفاحش، وتضاعف أعداد المسيرات الشعبية المنددة، أدرك المخزن خطورة الوضع، فبادر إلى ممارساته المعروفة بقمع أي تحرك شعبي بذريعة استمرار “حالة الطوارئ الصحية”، على الرغم من أن سريان هذا القانون الذي أقر بسبب جائحة كورونا قد توقف العمل به نهاية شهر فيفري الماضي.

ومع كل هذا القمع الممنهج، فقد خرج المغاربة الغاضبون من سياسة “التجويع” التي يمارسها ضدهم المخزن، للتظاهر في عدد كبير من المدن المغربية مثل تطوان وطنجة في الشمال والرباط والدار البيضاء ومكناس في وسط البلاد، إضافة الى مراكش وأغادير جنوبا، في حين تتسع دائرة الغضب الشعبي لتطال مناطق أخرى جعلت المملكة عبارة عن برميل كبير، قابل للانفجار في أي وقت.

وأدى هذا التدهور الخطير في تدهور القدرة الشرائية للمواطن المغربي، إلى انتقال التحذيرات من الهيئات والمنظمات الدولية إلى الإعلام العالمي نفسه، حيث بات الانفجار الاجتماعي في المغرب مادة خصبة لمقالات الصحف الأوروبية وخاصة الإسبانية منها.

وكانت صحيفة “إلباييس” الإسبانية أكثر مَنْ حذّر من تداعيات الوضع الخطير في المغرب، منوهة أن شهر رمضان المقبل سيشكل ترمومتر السخط الشعبي، وتحول الاحتجاجات الشعبية العادية إلى مواجهات، بعد أن ارتفعت أسعار المواد الغذائية، وفق الإحصاءات التي قدمتها المفوضية العليا المغربية للتخطيط، إلى معدلات قياسية. وأكدت الصحيفة أن المغاربة الذين باتوا يشترون اليوم الطماطم مثلا بثلاثة أضعاف سعرها الحقيقي واللحم بضعف سعره، باتوا اليوم “لا يملكون ما يكفيهم من الطعام”.

وعليه، سيكون على نظام المخزن، الذي يحتمي اليوم علانية بدولة الكيان الغاصب، قبل أن يفكر في مواجهة الجيش الجزائري، أن يفكر أولا في مواجهة جيوش الجائعين الذين يتكدسون في شوارع وأزقة المدن المغربية، وكيفية وقف “ثورة الجياع” التي انطلقت، وقبل أن يفكر في مواجهة السوخوي وإسكندر والثقب الأسود أن يوفر أولا لشعبه الجائع الطماطم والبطاطا ورغيف الخبز.

حسان زهار الإخبارية

شارك الموضوع
%d مدونون معجبون بهذه: